فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الواقدي: لما خر موسى صعقًا قالت ملائكة السموات: ما لا بن عمران وسؤال الرؤية وفي بعض الكتب أن ملائكة السموات أتوا موسى وهو في غشيته فجعلوا يركلونه ويقولون يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة فلما أفاق يعني من غشيته ورجع علقه إليه وعرف أنه سأل أمرًا عظيمًا لا ينبغي له {قال سبحانك} يعني تنزيهًا لك من النقائص كلها {تبت إليك} يعني من مسألتي الرؤية بغير إذنك وقيل من سؤال الرؤية في الدنيا وقيل لما كانت الرؤية مخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم فمنعها قال سبحانك تبت إليك يعني من سؤال ما ليس لي وقيل لما سأل الرؤية ومنعها قال تبت إليك يعني من هذا السؤال وحسنات الأبرار سيئآت المقربين {وأنا أول المؤمنين} يعني بأنك لا ترى في الدنيا وقيل أنا أول المؤمنين يعني من بني إسرائيل بقي في الآية سؤالات: الأول أن الرؤية عين النظر فكيف قال أرني أنظر إليك وعلى هذا يكون التقدير أرني حتى أراك؟ والجواب عنه: أن معنى قوله أرني اجعلني متمكن من رؤيتك حتى أنظر إليك وأراك.
السؤال الثاني كيف قال لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ حتى يكون مطابقًا لقوله: {أنظر إليك}؟ والجواب: أن النظر لما كان مقدما الرؤية كان المقصود هو الرؤية لا النظر الذي لا رؤية معه.
السؤال الثالث: كيف استدرك وكيف اتصل الاستدراك من قوله: {ولكن انظر إلى الجبل} بما قبله؟ والجواب أن المقصود منه تعظيم أمر الرؤية وأن أحدًا لا يقوى على رؤيته تعالى إلا من قواه الله تعالى بمعونته وتأييده ألا ترى أنه لما ظهر أصل التجلي للجبل اندك وتقطع فهذا هو المراد من هذا الاستدراك لأنه يدل على تعظيم أمر الرؤية والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال الثعالبي:

المعنى في قوله: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}: أنه خلق لَهُ إِدراكًا سَمِعَ به الكلام القائِمَ بالذاتِ القديمِ الذي هو صفةُ ذاتٍ، وكلامُ اللَّه سبحانه لا يشبه كلامَ المخلوقين، وليسَ في جهة مِنَ الجهاتِ، وكما هو موجودٌ لا كالموجودات، ومعلومٌ لا كالمعلومات؛ كذلك كلامه لا يُشْبِهُ الكلامَ الذي فيه علاماتُ الحدوثِ، وجَوابُ لَمَّا في قوله: {قَالَ}، والمعنى أنَّه لمَّا كلَّمه اللَّه عزَّ وجلَّ، وخصَّه بهذه المرتبة، طَمَحَتْ همته إِلى رُتْبة الرؤْية، وتشوَّق إِلى ذلك، فسأل ربَّه الرؤية، ورؤيةُ اللَّه عز وجلَّ عند أهل السنة جائزةٌ عقْلًا؛ لأنه من حيثُ هو موجودٌ تصحُّ رؤيته؛ قالوا: لأن الرؤية للشَّيْءِ لا تتعلَّق بصفةٍ مِنْ صفاته أَكْثَرَ من الوُجُود، فموسى عليه السلام لم يسأَلْ ربَّه محالًا، وإِنما سأله جائزًا، وقوله سبحانه: {لَن تَرَانِي ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ...} الآية: ليس بجواب مَنْ سأل محَالًا، ولَنْ تنفي الفَعْلَ المستقبَلَ، ولو بقينا مع هذا النفْي بمجرَّده، لقضينا أنه لا يَرَاهُ موسى أبدًا، ولا في الآخرةِ، لكنْ ورد من جهة أخرى بالحديثِ المتواتر؛ أنَّ أهل الإِيمانَ يَرَوْنَ اللَّه يوم القيامة، فموسى عليه السلام أحرَى برؤيته، قُلْتُ: وأيضًا قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] فهو نصٌّ في الرؤية بيَّنه صلى الله عليه وسلم؛ ففي الترمذي عن ابن عمر، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أدنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلى جنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ على اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وعَشيَّةً»، ثم قرأ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديثُ مِنْ غير وجه مرفوعًا، وموقوفًا. انتهى.
قال مجاهد وغيره: إن اللَّه عز وجل قال له: يا موسى، لن تراني، ولكنّ سأتجلَّى للجَبَل، وهو أقوى منك، وأَشَدُّ؛ فإِن استقر وأطاقَ الصبْرَ لهيبتي، فسَتُمْكِنُكَ أَنْتَ رؤيتي.
قال * ع *: فعلى هذا إِنما جعل اللَّه الجَبَل مثالًا، قلتُ: وقول * ع *: ولو بَقِينَا مَعَ هذا النفْي بمجرَّده، لَقَضَيْنَا أنَّه لا يراه موسَى أبدًا ولا في الآخرة، قولٌ مرجوحٌ لم يتفطَّن له رحمه اللَّه، والحقُّ الذي لا شَكَّ فيه أَنَّ لن لا تقتضي النفْيَ المؤبَّد.
قال بدْرُ الدين أبو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مالِكٍ في شرح التَّسْهِيلِ: وَلَنْ كغيرها من حروفِ النفي في جواز كون استقبال المنفيِّ بها منقَطعًا عنْدَ حَدٍّ وغَيْرَ منقطعٍ، وذكر الزمخشريُّ في أُنْمُوذجِهِ؛ أَنَّ لَنْ لتأبيدِ النفْي، وحاملُهُ على ذلك اعتقادُهُ أنَّ اللَّه تعالى لا يُرَى، وهو اعتقادٌ باطلٌ؛ لصحَّةَ ثبوتِ الرؤية عن رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ واستدل على عدم اختصاصها بالتأبيد بمجيء استقبال المنْفِيِّ بها مُغَيًّا إِلى غايةٍ ينتهي بانتهائها، كما في قوله تعالى: {قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عاكفين حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} [طه: 91]، وهو واضح. انتهى، ونحوه لابْنِ هشامٍ، ولفظه: ولا تفيدُ لَنْ توكيدَ المنفيِّ؛ خلافًا للزمخشريِّ في كشافه، ولا تأْبِيدَهُ، خلافًا له في أنموذجه، وكلاهما دعوى بلا دليلٍ؛ قيل: ولو كانَتْ للتأبيدِ، لم يقيد منفيُّها ب اليوْم في {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيًّا} [مريم: 26] ولكان ذكْرُهُ الأَبَدَ في {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95] تَكْرارًا، والأصل عدمه. انتهى من المغني.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}: التجلِّي: هو الظهورُ منْ غير تشبيهٍ ولا تكييفٍ، وقوله: {جَعَلَهُ دَكًّا}، المعنى: جعله أرضًا دكًّا، يقال: ناقةٌ دَكَّاء، أَيْ: لا سنامَ لها، {وَخَرَّ موسى صَعِقًا}، أي: مغشيًّا عليه، قاله جماعة من المفسِّرين.
قال * ص *: {وَخَرَّ} معناه سقَطَ، وقوله: {سبحانك}، أي: تنزيهًا لك؛ كذا فسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: {تُبْتُ إِلَيْكَ}، معناه: منْ أن أسألك الرُّؤْية في الدنيا، وأنْتَ لا تبيحها فيها.
قال * ع *: ويحتمل عنْدي أنه لفظ قاله عليه السلام؛ لشدَّة هَوْل المَطْلَعَ، ولم يعن التَّوْبَة مِنْ شيء معيَّن، ولكنَّه لفظٌ لائقٌ بذلك المقامِ، والذي يتحرَّز منه أَهْلُ السنة أنْ تكون تَوْبَةً من سؤال المُحَال؛ كما زعَمَتِ المعتزلةُ، وقوله: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين}، أي: مِنْ قومه؛ قاله ابن عباس وغيره، أَو مِنْ أَهْلِ زمانه؛ إِنْ كان الكُفْر قد طَبَّق الأرض، أو أولُ المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا؛ قاله أبو العالية. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} أي للوقت الذي ضربه له أي لتمام الأربعين كما تقول أتيته لعشر خلون من الشهر ومعنى اللام الاختصاص والجمهور على أنه وحده خصّ بالتكليم إذ جاء للميقات، وقال القاضي: سمع هو والسبعون كلام الله، قال ابن عطية: خلق له إدراكًا سمع به الكلام القائم بالذات القديمة الذي هو صفة ذات، وقال ابن عباس وابن جبير: أدنى الله تعالى موسى حتى سمع صريف الأقلام في اللوح المحفوظ وقال الزمخشري: {وكلمه ربه} من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أنْ يخلق الكلام منطوقًا به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظًا في اللوح وروي أن موسى كان يسمع الكلام في كل جهة، وعن ابن عباس كلمة أربعين يومًا وأربعين ليلة وكتب له الألواح، وقيل: إنما كلمة في أول الأربعين انتهى، وقال وهب كلمه في ألف مقام وعلى أثر كل مقام يرى نور على وجهه ثلاثة أيام ولم يقرب النساء مذ كلّمه الله وقد أوردوا هنا الخلاف الذي في كلام الله وهو مذكور ودلائل المختلفين مذكور في كتب أصول الدين وكلّمه معطوف على جاء، وقيل حال وعدل عن قوله وكلمناه إلى قوله: {وكلّمه} ربه للمعنى الذي عدل إلى قوله: {فتم ميقات ربه} و{فلما تجلّى ربه}.
{قال ربّ أرني أنظر إليك}.
قال السدّي وأبو بكر الهذلي: لما كلمه وخصّه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوّف إلى ذلك فسأل ربه أن يريه نفسه.
قال الزجاج: شوّقه الكلام فعيل صبره فحمله على سؤال الرؤية، وقال الرّبيع: لم يعهد إليه في الرؤية فظن أن السؤال في هذا الوقت جائز، وقال السدي: غار الشيطان في الأرض فخرج بين يديه فقال إنما يكلمك شيطان فسأل الرؤية ولو لم تجز الرؤية ما سألها؟ قال ابن عطية: ورؤية الله عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلًا لأنه من حيث هو موجود تصحّ رؤيته وقررت الشريعة رؤية الله في الآخرة ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر الشرع فموسى عليه السلام لم يسأل محالًا وإنما سأل جائزًا وقوله: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} الآية ليس بجواب من سأل محالًا وقد قال تعالى لنوح عليه السلام: {فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} فلو سأل موسى محالًا لكان في الجواب زجر ما وتيئيس، وقال الكرماني وغيره: في الكلام محذوف تقديره لن تراني في الدنيا، وقيل لن تقدر أن تراني، وقيل لن تراني بسؤالك، وقيل لن تراني ولكن ستراني حين أتجلى للجبل.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف طلب موسى عليه السلام ذلك وهو من أعلم الناس بالله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبتعاليه عن الصفة التي هي إدراك ببعض الحواس وذلك إنما يصحّ فيما كان في جهة وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة ومنع المجبرة إحالته في العقول غير لازم لأنه ليس بأول مكابرتهم وارتكابهم وكيف يكون طالبه وقد قال حين أخذتهم الرّجفة الذين قالوا: {أرنا الله جهرة} {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} إلى قوله: {تضل بها من تشاء} فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالًا، قلت: ما كان طلبه الرؤية إلا ليسكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالًا وتبرأ من فعلهم وليلقمهم الحجة وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبّههم على الحق فلجّوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا لابد ولن نؤمن لك حتى نراه فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله لن تراني ليتيقنوا وينزاح عنهم ما كان داخلهم من الشبهة فلذلك قال: {ربّ أرني أنظر إليك} فإن قلت: فهلا قال أرهم ينظرون إليك قلت: لأنّ الله سبحانه إنما كلم موسى وهم يسمعون فلما سمعوا كلام رب العزة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه كما أسمعه كلامه فسمعوه معه إرادة مبنية على قياس فاسد فلذلك قال موسى {أرني أنظر إليك} ولأنه إذا زجر عما طلب وأنكر عليه مع نبوته واختصاصه وزلفته عند الله وقيل له لن يكون ذلك كان غيره أولى بالإنكار ولأن الرسول إمام أمته فكان ما يخاطب به أو يخاطب راجعًا إليهم وقوله أنظر إليك وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم دليل على أنه ترجمة على مقترحهم وحكاية لقولهم وجلّ صاحب الجمل أن يجعل الله منظورًا إليه مقابلًا بحاسة النظر فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والنظام وأبي الهذيل والشيخين وجميع المسلمين، وثاني مفعول {أرني} محذوف أي أرني نفسك اجعلني متمكنًا من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك انتهى.
{قال لن ترانى}.
قال ابن عطية نصّ على منعه الرؤية في الدنيا ولن تنفي المستقبل فلو بقينا على هذا النفي بمجرّده لتضمن أنّ موسى لا يراه أبدًا ولا في الآخرة لكن ورد من جهة أخرى الحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله تعالى يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته، قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى {لن}، قلت: تأكيد النفي الذي تعطيه لا وذلك أن لا تنفي المستقبل تقول لا أفعل غدًا فإذا أكدت نفيها قلت لن أفعل غدًا والمعنى أن فعله ينافي حال كقوله: {لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له} وقوله: {لا تدركه الأبصار} نفي للرؤية فيما يستقبل ولن تراني تأكيد وبيان فإن قلت: كيف قال لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ لقوله: {أنظر إليك}، قلت: لما قال: {أرنى} بمعنى اجعلني متمكنًا من الرؤية التي هي الإدراك علم أنّ الطلبة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه فقيل لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ.
{ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} قال مجاهد وغيره: ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشدّ فإن استقرّ وأطاق الصبر لهيبتي فسيمكنك أنت رؤيتي، قال ابن عطية: فعلى هذا إنما جعل الله له الجبل مثالًا، وقالت فرقة: إنما المعنى سأبتدىء لك على الجبل فإن استقرّ لعظمتي فسوف تراني انتهى، وتعليق الرؤية على تقدير الاستقرار مؤذن بعدمها إن لم يستقر ونبّه بذلك على أنّ الجبل مع شدته وصلابته إذا لم يستقر فالآدمي مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقرّ وهذا تسكين لقلب موسى وتخفيف عنه من ثقل أعباء المنع.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله تعالى: {ولكن انظر إلى الجبل} بما قبله، قلت: تصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلب الرؤية لأجلهم كيف أفعل به وكيف أجعله دكًّا بسبب طلبك للرؤية لتستعظم ما أقدمت عيه بما أريك من عظيم أثره كأنه عز وعلا حقّق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله تعالى: {وتخرّ الجبال هدًّا أن دعوا للرحمن ولدًا} {فإن استقر مكانه} كما كان مستقرًا ثابتًا ذاهبًا في جهانه {فسوف تراني} تعريض لوجود الرؤية لوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حتى يدكّه دكًّا ويسوّيه بالأرض وهذا كلام مدمج بعضه في بعض وأولاد على أسلوب عجيب ونظم بديع ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك ثم كيف ثنّى بالوعيد بالرّجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية أعني قوله: {فإن استقرّ مكانه فسوف ترانى} انتهى وهو على طريقة المعتزلة في نفي رؤية الله تعالى، ولهم في ذلك أقاويل أربعة: أحدها: ما رووا عن الحسن وغيره أن موسى ما عرف أن الرؤية غير جائزة وهو عارف بعدله وبربه وبتوحيده فلم يبعد أن يكون العلم بامتناع الرؤية وجوازها موقوفًا على السماع ورد ذلك وبأنه يلزم أن تكون معرفته بالله أقل درجة من معرفة أرذال المعتزلة وذلك باطل بالإجماع، الثاني: قال الجبائي وابنه أبو هاشم: سأل الرؤية على لسان قومه فقد كانوا مكثرين للمسألة عنها لا لنفسه فلما منع ظهر أن لا سبيل إليها وردّ بأنه لو كان كذلك لقال أرهم ينظروا إليك ولقيل لن تروني وأيضًا لو كان محالًا لمنعهم عنه كما منعهم عن جعل الآلهة لهم بقوله: {إنكم قوم تجهلون}، وقال الكعبي سأله الآيات الباهرة التي عندها تزول الخواطر والوساوس عن معرفته كما تقول في معرفة أهل الآخرة، وردّ ذلك بأنه يقتضي حذف مضاف وسياق الكلام يأبى ذلك فقد أراه من الآيات ما لا غاية بعدها كالعصا وغيرها، وقال الأصمّ المقصود أن يذكر من الدلائل السمعية ما يدل على امتناع الرؤية حتى يتأكد الدليل العقلي بالدليل السمعي وأل في {الجبل} للعهد وهو أعظم جبل بمدين يقال له ارريين قال ابن عباس تطاولت الجبال للتجلي وتواضع ارريين فتجلّى له.